فصل: تفسير الآية رقم (4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (4):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَآتُواْ النّسَاء صَدُقَاتِهِنّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مّرِيئاً} [4].
{وَآتُواْ} أي: أعطوا.
{النّسَاء} أي: اللاتي أمر بنكاحهن.
{صَدُقَاتِهِنّ} أي: مهورهن- جمع صدقة كسَمْرة- وهي المهر.
{نِحْلَةً} أي: عطاءً غير مسترد بحيلة تلجئهن إلى الرد، والنّحلة- بكسر النون وضمها، على ما رواه ابن دريد- اسم مصدر لنحل، والمصدر النّحل- بالضم- وهو العطاء بلا عوض، والتعبير عن إيتاء المهور بالنحلة، مع كونها واجبة على الأزواج، لإفادة معنى الإيتاء عن كمال الرضا وطيب الخاطر.
فائدتان:
الأولى: هذا الخطاب إما للأزواج، كما روى عن علقمة والنخعي وقتادة، واختاره الزجاج، فإن ما قبله خطاب للناكحين وهم الأزواج، وإما لأولياء النساء، وذلك لأن العرب كانت في الجاهلية لا تعطي النساء من مهورهن شيئاً.
ولذلك كانوا يقولون لمن ولدت له بنت: هنيئاً لك النافجة، ومعناه إنك تأخذ مهرها إبلاً فتضمها إلى إبلك فتنفج مالك أي: تعظمه.
وقال ابن الأعرابيّ: النافجة ما يأخذه الرجل من الحلوان إذا زوج ابنته، فنهى الله تعالى عن ذلك وأمر بدفع الحق إلى أهله، وهذا قول الكلبي وأبي صالح، واختيار الفراء وابن قتيبة.
الثانية: قال القفال رحمه الله تعالى: يحتمل أن يكون المراد من الإيتاء المناولة، ويحتمل أن يكون المراد الالتزام، قال تعالى: {حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} [التوبة: من الآية 29]، والمعنى حتى يضمنوها ويلتزموها، فعلى هذا الوجه الأول، كان المراد أنهم أمروا بدفع المهور التي قد سموها لهن، وعلى التقدير الثاني كان المراد أن الفروج لا تستباح إلا بعوض يلزم، سواء سمي ذلك أو لم يسم، إلا ما خص به الرسول صَلّى اللهُ عليّه وسلّم في الموهوبة.
ثم قال رحمه الله: ويجوز أن يكون الكلام جامعاً للوجهين معاً، والله أعلم.
{فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مّنْهُ نَفْساً} الضمير للصدُقات، وتذكيره لإجرائه مجرى ذلك، أي: فإن أحللن لكم من المهر شيئاً بطيبة نفس، جلباً لمودتكم، لا لحياء عرض لهن منكم أو من غيركم، ولا لاضطرارهن إلى البذل من شكاسة أخلاقكم وسوء معاشرتكم.
{فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} أي: فخذوه وانصرفوا فيه تملكاً، وتخصيص الأكل بالذكر لأنه معظم وجوه التصرفات المالية.
وهنيئاً مريئاً: صفتان من- هنؤ الطعام ومرؤ- إذا كان سائغاً لا تنغيص فيه، وقيل: الهنيء ما أتاك بلا مشقة ولا تبعة، والمريء حميد المغبة، وهما عبارة عن التحليل والمبالغة في الإباحة وإزالة التبعة، لأنهن كالرجال في التصرفات والتبرعات.
تنبيه:
قال بعض المفسرين: للآية ثمرات:
منها: أنه لابد في النكاح من صداق.
ومنها: أنه حق واجب للمرأة كسائر الديون.
ومنها: أن لها أن تتصرف فيه بما شاءت، ولم تفصل الآية بين أن تقبضه أم لا، ولذا قال بعض الفقهاء: لها بيع مهرها قبل قبضه، ولبعضهم: لا تبيعه حتى تقبضه، كالملك بالشراء.
ومنها: أنه يسقط عن الزوج بإسقاطها مع طيب نفسها، وقد رأى شريح إقالتها إذا رجعت، واحتج بالآية.
روى الشعبي أن امرأة جاءت مع زوجها شريحاً في عطية أعطتها إياه، وهي تطلب الرجوع، فقال شريح: رد عليها، فقال الرجل أليس قد قال الله تعالى: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ}؟ فقال: لو طابت نفسها عنه لما رجعت فيه.
وروي عنه أيضاً: أقيلها فيما وهبت ولا أقبله، لأنهن يُخْدعن.
وعن عُمَر بن الخطاب رَضِي اللّهُ عَنْهُ أنه كتب إلى قضاته: أن النساء يعطين رغبة ورهبة، فأيما امرأة أعطته ثم أرادت أن ترجع فذلك لها، نقله الرازيّ.
أقول: ما رآه شريح وروي عن عمر، هو الفقه الصحيح والاستنباط البديع، إذ الآية دلت على ضيق المسلك في ذلك ووجوب الاحتياط، حيث بني الشرط على طيب النفس، ولم يقل: فإن وهبن لكم، إعلاماً بأن المراعَى هو تجافي نفسها عن الموهوب طيّبة، وبرجوعها يظهر عدم طيب نفسها، وذلك بين.

.تفسير الآية رقم (5):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلاَ تُؤْتُواْ السّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مّعْرُوفاً} [5].
{وَلاَ تُؤْتُواْ السّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مّعْرُوفاً} اعلم أن في الآية وجوهاً يحتملها النظم الكريم. الأول: أن يراد بالسفهاء اليتامى، كما روي عن سعيد بن جبير، والخطاب حينئذ للأولياء، نهوا أن يؤتوا اليتامى أموالهم مخافة أن يضيعوها لقلة عقولهم، لأن السفيه هو الخفيف الحلم، وإنما أضيفت للأولياء، وهي لليتامى، تنزيلاً لاختصاصها بأصحابها منزلة اختصاصها بالأولياء، فكان أموالهم عين أموالهم، لما بينهم وبينهم من الاتحاد الجنسي والنسبي، مبالغة في حملهم على المحافظة عليها، كما قال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: من الآية 29]، أي: لا يقتل بعضكم بعضاً حيث عبر عن بني نوعهم بأنفسهم، مبالغة في زجرهم عن قتلهم، فكأن قتلهم قتل أنفسهم، وقد أيد ذلك حيث عبر عن جعلها مناطاً لمعاش أصحابها بجعلها مناطاً لمعاش الأولياء، بقوله تعالى: {الّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً} أي: جعلها الله شيئاً تقومون وتنتعشون، فلو ضيعتموها لضعتم.
وقوله تعالى: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} أي: اجعلوها مكاناً لرزقهم وكسوتهم، بأن تتجروا وتتربحوا، حتى تكون نفقاتهم من الأرباح لا من صلب المال.
وقوله سبحانه: {وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مّعْرُوفاً} أي: كلاماً ليناً تطيب به نفوسهم، ومنه أن يعدهم عدة جميلة، بأن يقول وليهم: إذا صلحتم ورشدتم، سلمنا إليكم أموالكم.
الوجه الثاني: أن يراد بالسفهاء الناس والصبيان، روي ذلك عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما، فالخطاب عام والنهي لكل أحد أن يعمد إلى ما خوله الله تعالى من المال فيعطيه امرأته وأولاده، ثم ينظر إلى أيديهم، وإنما سماهم سفهاء استخفافاً بعقلهم واستهجاناً لجعلهم قواماً على أنفسهم.
قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول: لا تعمد إلى مالك خوّلك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو ابنتك ثم تنظر إلى ما في أيديهم، ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم من كسوتهم ومؤنتهم ورزقهم.
الوجه الثالث: أن يراد بالسفهاء كل من لم يكن له عقل يفي بحفظ المال، فيدخل فيه النساء والصبيان والأيتام كل من كان موصوفاً بهذه الصفة.
قال الرازي: وهذا القول أولى، لأن التخصيص بغير دليل لا يجوز.
قال السيوطيّ في الإكليل: في هذه الآية الحجر على السفيه، وأنه لا يمكّن من ماله، وأنه ينفق عليه منه ويكسي، ولا ينفق في التبرعات، وأنه يقال له معروف كـ: إن رشدت دفعنا إليك مالك، وإنما يحتاط لنفعك.
واستدل بعموم الآية من قال بالحجر على السفيه البالغ، سواء طرأ عليه أم كان من حين البلوغ، ومن قال بالحجر على من يُخدع في البيوع، ومن قال بأن من يتصدق على محجور، وشرط أن يترك في يده، لا يسمع منه في ذلك.
لطيفة:
في قوله تعالى: {الّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً} حث على حفظ الأموال وعدم تضييعها.
قال الزمخشري: كان السلف يقولون: المال سلاح المؤمن، ولأن أترك مالاً يحاسبني الله عليه، خير من أحتاج إلى الناس.
وعن سفيان، وكانت له بضاعة يقلبها: لولاها لتمندل بي بنو العباس.
وعن غيره وقيل له: إنها تدنيك من الدنيا: لأن أدنتني من الدنيا لقد صانتني عنها، وكانوا يقولون: اتجروا واكتسبوا، فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه، وربما رأوا رجلاً في جنازة، فقالوا له: اذهب إلى دكانك. انتهى.

.تفسير الآية رقم (6):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتّىَ إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالمعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً} [6].
{وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى} أي: اختبروا عقولهم ومعرفتهم بالتصرف.
{حَتّىَ إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ} أي: بأن يحتلموا أو يبلغوا خمس عشرة سنة.
لما في الصحيحين عن ابن عمر قال: «إن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم عرضه يوم أُحُد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني».
قال نافع: فقدمت على عُمَر بن عبد العزيز وهو خليفة فحدثته هذا الحديث فقال: إن هذا لحَدّ بين الصغير والكبير، وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة، وكذا نبات الشعر الخشن حول العورة، لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن عطية القرظي قال: «عُرِضنا على النبيّ صَلّى اللهُ عليّه وسلّم يوم قريظة فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت خلى سبيله، فكنت فيمن لم ينبت، فخلى سبيلي»، قال الترمذيّ: حسن صحيح.
{فَإِنْ آنَسْتُم} أي: شاهدتم وتبينتم.
{مّنْهُمْ رُشْداً} أي: صلاحاً في دينهم وحفظاً لأموالهم، قاله سعيد بن جبير، وروي عن ابن عباس والحسن وغير واحد من الأئمة.
{فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} أي: من غير تأخير.
وظاهر الآية الكريمة أن من بلغ غير رشيد إما بالتبذير أو بالعجز أو بالفسق، لا يسلم إليه ماله لأنها مفسدة للمال.
{وَلاَ تَأْكُلُوهَا} أيها الأولياء.
{إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ} أي: مسرفين ومبادرين كبرهم، أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم، تفرطون في إنفاقها وتقولون: ننفق كما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا.
{وَمَن كَانَ} من الأولياء.
{غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ} أي: يتنزه عن أكل مال اليتيم، فإنه عليه كالميتة والدم، وليقنع بما آتاه الله تعالى من الزرق.
{وَمَن كَانَ فَقِيراً} يمنعه اشتغاله بمال اليتيم عن الكسب، وإهمالُه يفضي إلى تلفه عليه.
{فَلْيَأْكُلْ بِالمعْرُوفِ} بقدر حاجته الضرورية وأجرة سعيه وخدمته.
كما رواه ابن أبي حاتم عن عائشة حيث قالت: فليأكل بالمعروف بقدر قيامه عليه، ورواه البخاريّ أيضاً.
قال ابن كثير: قال الفقهاء: له أن يأكل أقل الأمرين أجرة مثله، وقد حاجته، وهل يرد إذا أيسر؟ وجهان:
أحدهما: لا يرد لأنه أكل بأجرة عمله وكان فقيراً، وهذا هو الصحيح عند أصحاب الشافعيّ، لأن الآية أباحت الأكل من غير بدل.
وروى الإمام أحمد عن عَمْرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً سأل النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم فقال: ليس لي مال ولي يتيم، فقال: «كل من مال يتيمك غير مسرف، ولا مبذر ولا متأثل مالاً، ومن غير أن تقي مالك»، أو قال: «تفدي مالك بماله».
ورواه ابن أبي حاتم ولفظه: «كل بالمعروف غير مسرف»، ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
وروى ابن حبان في صحيحه وابن مردويه في تفسيره عن جابر: أن رجلاً قال: يا رسول الله! مما أضرب يتيمي؟ قال: «مما كنت ضارباً منه ولدك، غير واقٍ مالك بماله، ولا متأثل منه مالاً».
وروى عبد الرزاق عن الثوري عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال: جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال: إن في حجري أيتاماً، وإن لهم إبلاً، ولي إبل وأنا أمنح من إبلي فقراء، فماذا يحل لي من ألبانها؟ فقال: إن كنت تبغي ضالتها، وتهنأ جرباها، وتلوط حوضها، وتسعى عليها، فاشرب غير مضر بنسل، ولا ناهك في الحلب، ورواه مالك في موطئه.
وبهذا القول- وهو عدم أداء البدل- يقول عطاء بن أبي رَبَاح وعكرمة وإبراهيم النَّخَعِي وعطية العوفيّ والحسن البصريّ.
والوجه الثاني: يردّ، لأن مال اليتيم على الحظر، وإنما أبيح للحاجة، فيردّ بدله- كأكل مال الغير للمضطر عند الحاجة.
وقد روى ابن أبي الدنيا عن حارثة بن مضرب قال: قال عمر رَضِي اللّهُ عَنْهُ: إني أنزلت نفسي من هذا المال منزلة وإلى اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن احتجت استقرضت، فإذا أيسرت قضيت.
وروى سعيد بن منصور في سننه: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن البراء قال: قال لي عمر رَضِي اللّهُ عَنْهُ: إنما أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم إن احتجت أخذت منه، فإذا أيسرت رددته، وإن استغنيت استعففت، قال ابن كثير: إسناد صحيح.
وروى البيهقيّ عن ابن عباس نحو ذلك، وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {فَلْيَأْكُلْ بِالمعْرُوفِ} يعني القرض، قال: وروي عن عبيدة وأبي العالية وأبي وائل، وسعيد بن جبير- في إحدى الروايات- ومجاهد والضحاك والشعبي والسدّي نحو ذلك.
قال الفخر الرازي: وبعض أهل العلم خص هذا الإقراض بأصول الأموال من الذهب الفضة وغيرها.
وأما التناول من ألبان المواشي واستخدام العبيد وركوب الدواب فمباح له إذا كان غير مضر بالمال، وهذا قول أبي العالية وغيره، واحتجوا بأن الله تعالى قال: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} فحكم في الأموال بدفعها إليهم. انتهى.
أقول: الكل محتمل، إذ لا نص من الأصلين على واحد منها، ولا يخفى الورع.
{فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} أي: بعد البلوغ والرشد.
{فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ} أي: عند الدفع بأنهم قبضوها، فإنه أنفى للتهمة وأبعد من الخصومة.
قال السيوطيّ: فيه الأمر بالإشهاد ندباً، وقيل: وجوباً، ويستفاد منه أن القول في الدفع قول الصبيّ، لا الولي.
فلا يقبل قوله إلا ببينة.
{وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً} أي: كافياً في الشهادة عليكم بالدفع والقبض، أو محاسباً، فلا تخالفوا ما أمركم به، ولا يخفى موقع هذا التذييل هنا، فإن الوصي يحاسب على ما في يده.
وفيه وعيد لوليّ اليتيم وإعلام له أنه تعالى يعلم باطنه كما يعلم ظاهره، لئلا ينوي أو يعمل في ماله ما لا يحل، ويقوم بالأمانة التامة في ذلك إلى أن يصل إليه ماله.
وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قال: «يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تَأمّرَنّ على اثنين ولا تَوَلّيَنّ مال يتيم».
ثم ذكر تعالى أحكام المواريث بقوله سبحانه: